[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الدرر السنية في أحكام الأضحية
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد:
فهذا مختصر انتقيته من قراءتي لكتاب الإمام ابن عثيمين "أحكام الأضحية والذكاة"
1. تعريف الأضحية وحكمهاالأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل.
وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.
فأما كتاب الله : فقد قال الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)
وأما سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية الأضحية فيها بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله وإقراره، فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة: القول، والفعل، والتقرير.
وأما إجماع المسلمين :على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .
قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين
وبعد إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا :
أواجبة هي أم سنة مؤكدة ؟ على قولين :
القول الأول : أنها واجبة ، وهو قول الأوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، قال شيخ الإسلام : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .
القول الثاني : أنها سنة مؤكدة ، وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر .
2. ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، وكذلك الأضحية . اهـ .
3. الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافا لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط .
وأما الأضحية عن الأموات ؛
فهي ثلاثة أقسام :القسم الأول : أن تكون تبعا للأحياء ، كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يضحي ويقول : (( اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد )) وفيهم من مات سابقا .
القسم الثاني : أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا ، مثل : أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به .
القسم الثالث : أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته ، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص.
4. وقت الأضحيةالأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال ، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء )).
والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى .
وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثلاث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر .
هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .
5. في جنس ما يضحى به الجنس الذي يضحى به : بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 34) . وبهيمة الأنعام هي : الإبل ، والبقر ، والغنم من ضأن ومعز ، جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير : وكذلك هو عند العرب . اهـ . ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) . رواه مسلم.
والأفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً .
6. عمن تجزئ الأضحية وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه مسلم.
فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة ؛ فعلى وجهين :الوجه الأول : الاشتراك في الثواب ، بأن يكون مالك الأضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر الأشخاص فإن فضل الله واسع .
الوجه الثاني : الاشتراك في الملك ، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها ، فهذا لا يجوز ، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط ، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى ، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعدداً وكيفية .
وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في (( المنهاج وشرحه )) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز ، والأحاديث كذلك كحديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) ، على أن المراد التشريك في الثواب لا الأضحية . اهـ .
.
شروط ما يضحى به ، وبيان العيوب المانعة من الإجزاءلا تكون الأضحية على أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .
وشروطها أنواع :
منها ما يعود للوقت ، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها ، وسبق تفصيل القول فيهما ، ومنها ما يعود للمضحى به وهي أربعة :
الأول : أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره .
الثاني : أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع ، وهو الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها ، وسبق بيان ذلك .
الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعا ، بأن تكون ثنيا إن كان من الإبل أو البقر أو المعز ، وجذعا إن كان من الضأن ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم.
فالثني من الإبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة ، والجذع من الضأن : ما تم له نصف سنة .
الرابع : السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء ، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية : لا تجزئ ـ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسير التي لا تنقي )) . رواه الخمسة .
فهذه أربع منصوص على منع الأضحية بها وعدم إجزائها .الأولى : العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت ، والسليمة من ذلك أولى .
الثانية : المريضة البين مرضها ، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا ، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأت لكن السلامة منه أولى .
الثالثة : العرجاء البين ظلعها ، وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت ، والسلامة منه أولى .
الرابعة : الكسيرة أو العجفاء ( يعنى الهزيلة ) التي لا تنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين ، والسمينة السليمة أولى .
هذه هي الأربع المنصوص عليها ، وعليها أهل العلم ، قال في (( المغني )) : لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء . اهـ . ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى.
8. العيوب المكروهة في الأضحيةالعيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء ، والعيوب الأخرى موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء ؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما لا يجوز من الأضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من الأضاحي ) .
9. فيما يجتنبه من أراد الأضحيةعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ـ وفي لفظ : إذا دخلت العشر ـ وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )) . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي ، فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ، ولا يضره ما أخذ قبل إرادته .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا النهي ، هل هو للكراهة أو للتحريم ؟ والأصح أنه للتحريم ؛ لأنه الأصل في النهي ولا دليل يصرفه عنه ، ولكن لا فدية فيه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك .
( تنبيه ) : يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في أيام العشر ؛ لم تقبل أضحيته ، وهذا خطأ بين ، فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر ، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك ، ووقع فيما نهى عنه من الأخذ ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود ، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك .
وأما من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه ، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه ، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به ، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها ، فلا حرج عليه في ذلك كله .
وأما من يضحى عنه فظاهر الحديث وكلام كثير من أهل العلم أن النهي لا يشمله ، فيجوز له الأخذ من شعره وظفره وبشرته ، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن ذلك .
تم المختصر على يد الفقير إلى عفو ربه
أبو أسامة الجزائري
منقول