الخرمة من الفاكهة الطيبة والجميلة في نفس الوقت، إذ تتمتع حباتها الناضجة بلون برتقالي ارجواني رائع لا يقل جمالا عن ألوان المشمش والدراقن والكثير من أنواع الفاكهة.
وهي أيضا متوسطة الحجم ملساء وحساسة، فعندما تنضج وتتحول من لونها الأخضر المائل إلى الصفار إلى لونها المشتعل تتحول إلى كبسولة من العسل الشمعي اللزج.
وتنتشر هذه النبتة أو الفاكهة المجهولة نسبيا في الكثير من مناطق الشرق الأوسط والدول العربية، في كل مكان هذه الأيام وأكثر من أي وقت مضى بسبب التغيرات الاقتصادية وانفتاح الأسواق وتطور التقنيات الزراعية وتقنيات الحفظ والشحن.
ويمكن العثور عليها حاليا في معظم المحلات التجارية الخاصة بالخضراوات والفاكهة والسوبر ماركت في لندن في شمال المعمورة وخصوصا في المحلات التركية والصينية والإيرانية والآسيوية بشكل عام.
يطلق على الخرمة الغنية بالبروتين وسكر الجلوكوز (glucose) التي يطلق عليها اسم الكاكي (kaki) أيضا، بالإنجليزية اسم «بيرسيمون» (persimmon)، وهي من الفصيلة الأبنوسية (Ebenaceae) واسمها العلمي اللاتيني ديوسبيروس كاكي (Diospyros kaki) ومن طائفة ثنائيات الفلقة.
ويرجع الاسم الإنجليزي إلى أصول أميركية شرقية وإلى كلمة «بيسامين» (pessamin) التي تعني «الفاكهة المجففة».
وفيما تعرف أيضا باسم «المانجو الكورية» (Korean Mango)، اعتبرها أهل اليونان القدماء من طعام الآلهة، وربما يعود أصل اسمها إلى الفارسية «خورمالو» (Khormaloo) التي تعني حرفيا « تمر - خوخ» نسبة إلى طعمها.
ويطلق عليها بعض اليهود اسم «فاكهة شارون» نسبة إلى سهل شارون في فلسطين، ويزرعها الإسبان بكثرة في إقليم فالنسيا.
وهناك أنواع كثيرة منها بالطبع، لدرجة أن بعضها يتحول إلى اللون الأسود عند النضوج مثل في المكسيك، ومنها ما هو أميركي يعود إلى المناطق الشرقية ومنها ما يعود إلى مناطق جنوب غربي آسيا وجنوب شرقي أوروبا.
كما أن هناك نوعا خاصا في الفيلبين يتحول إلى اللون الليلكي أو الأحمر الفاتح بعد النضوج، ومن أهم الأنواع الأخرى النوع الياباني الذي يطلق عليه أيضا اسم «شيزي» (shizi) بالصينية.
ويقال عادة إن الخرمة جاءت من الصين أصلا وانتشرت من هناك باتجاه شرق آسيا وبعدها قدمت إلى كاليفورنيا في أميركا وأوروبا الجنوبية في القرن الثامن عشر. ومن مواطنها الأصلية والقديمة أيضا البرازيل وأميركا اللاتينية، حيث يطلق عليها في بعض المناطق اسم «كاكي» (Caqui) المعروفة به لاحقا.
ومع هذا تؤكد التفاصيل المتوفرة أن الكابتن جون سميث عثر على شجرة الخرمة في فرجينيا بداية القرن السابع عشر (1609) وقد وصف سميث شجرة الخرمة بالتفصيل.
وبعد ذلك جاء ذكرها ورسمها مفصلا أيضا في كتاب ويليام بارترام الخاص بالسفر عام 1773، واهتم بها كل من الرئيسين جورج واشنطن وتوماس جيفيرسون المعروفين في ذلك الوقت بغرامهما بالنباتات وحمايتها وتأصيلها.
ولم يكن آنذاك يتم قطاف ثمرة الخرمة قبل نضوجها على أمها كما تقول العامة. ومنذ ذلك الوقت أيضا انتشرت زراعة أشجار الخرمة في كل مكان في الولايات المتحدة لاستغلال خشبها الذي يعتبر أقوى أنواع الخشب على الإطلاق.
نحن نتكلم هنا عن الخرمة الأميركية، إلا أن الخرمة اليابانية التي جاءت إلى الولايات المتحدة، وتم ذلك على يد الأدميرال باري الذي اكتشف وجود النبتة على السواحل الجنوبية لليابان عام 1851.
وبعد أن فشلت واشنطن في توفير من يكفي من حبوب الخرمة تم زراعتها لغايات استغلالية واسعة في ولايتي كاليفورنيا وجورجيا عام 1870 ولاحقا في ولاية فلوريدا بداية القرن العشرين.
وفي فلوريدا عمل البروفسور هيوم في جامعة غينسفيل على تأصيل أنواع ممتازة منها لغايات استغلال الخشب.
ويذكر أنه تم زراعة ما لا يقل عن اثنتين وعشرين ألف شجرة في بدايات المشروع في فلوريدا وحدها.
وفي هذا الإطار يقول بعض علماء النبات إن الخرمة اليابانية التي يعود تاريخ استغلالها إلى أكثر من ألف سنة من الآن جاءت من الصين كما ذكرنا سابقا.
وهناك جدال حول أصلها كالكثير من الجدالات حول الكثير من النباتات إذ إن العلماء يعون جيدا أن اليابان لم تكن مفصولة جغرافيا عن آسيا في قديم الزمان.
وتعرف الخرمة اليابانية على أنها من أفضل أنواع الخرمة وكان علو بعض أنواعها يصل أحيانا إلى أربعين قدما، لكن الأنواع المؤصلة حديثا أصغر بكثير، كما تعرف الخرمة اليابانية بزهورها الشمعية الصغيرة.
التي تفح رائحتها الجميلة عادة في المناطق الريفية، ويتم استغلالها للتجفيف والطعام وصناعة العطور والأدوية والمرطبات وغيرها من الاستخدامات المفيدة والهامة.
وعادة ما تنمو شجرة الخرمة التي تساوي في حجمها حجم شجر الليمون والبرتقال (أي إنها متوسطة ووافرة العطاء) في معظم البيئات الطبيعية إلا أنها تفضل البيئة الباردة والباردة جدا أحيانا.
ولكن عمليا تنتشر وتكثر حاليا في المناطق المدارية والاستوائية القريبة من الأحوال الجوية المتوسطية المعتدلة.
ويتم استخدام بذورها في بعض المجتمعات الآسيوية القديمة وخصوصا في الصين وكوريا للتنبؤ بالأحوال الجوية طيلة العام، فحسب شكل البذور كان يتم التنبؤ بالأحوال الجوية وما إذا كانت تتجه نحو البرد أم الحر.
وتستخدم الخرمة عادة كفاكهة عادية ومجففة كما هو الحال في اليابان، ويتم أكلها بعد النضوج، ويمكن استخدامها كعصير وفي أطباق الطبخ الآسيوية أو الهندية وخصوصا الحلوى.
وعندما تكون الخرمة طازجة تقطع إلى أربع شرائح كالتفاح، ويتم تجفيفها بعد القطاف وقبل إنزالها إلى الأسواق، في فيتنام والصين واليابان وكوريا. ويستخدمون لذلك تقنيات يدوية تقليدية قديمة.
وتعرف الخرمة المجففة في اليابان بـ«هوشيغاكي» وفي كوريا بالـ«غوتغام» وفي الصين بالـ«شي – بينغ» وفي فيتنام بالـ«هونغ خو»، ويأكلونها كحلوى.
وفي كوريا يستخدمون هذه الفاكهة الطيبة لصناعة المشروبات والخل أيضا، الذي يعتبر مفيدا جدا للصحة.
وقد نقلت وسائل تحويله إلى الخل إلى الولايات المتحدة عبر المهاجرين اليابانيين. كما يستخدم الكوريون أوراق شجرة الخرمة المجففة لصنع الشاي ويطلقون عليها اسم «غامنيب تشا».
كما يتم تخليل الخرمة في تايوان بماء الحامض أو اللايم للتخلص من مرارته. ويعيدنا هذا إلى الولايات المتحدة أيضا التي تستخدم الخرمة بكثرة في كل شيء تقريبا من السلطات إلى الحلويات إلى الفطائر والكريم ويتم تناولها مع الـ« سيريال» أو الحبوب عند الفطور كما يحصل حاليا مع الفاكهة التي تنشر فوق خليط الحبوب والألياف والحليب.
وعلى صعيد استغلال النبتة وشجرتها وخصوصا خشبها، تشير المعلومات المتوفرة إلى أن خشب الخرمة الأسود والبني الداكن، ينتمي إلى نفس جنس خشب الابوني (ebony)، ويعتبر استخدامه حكرا على الحقول التي تتطلب خشبا قويا جدا وصلبا.
فهو يستخدم لصناعة الأثاث في كوريا واليابان وعربات قطاع الأقمشة، وفي الولايات المتحدة وفي الشمال خصوصا يستخدم خشب الخرمة لصناعة مؤشرات لعبة البلياردو.
ويستخدم أيضا وبكثافة في صناعة رؤوس العصي التي تستخدم لضرب كرة الغولف قبل التغيير الذي طرأ أخيرا مع التحول إلى المعادن. كما يعشق رماة السهام بخشب الخرمة لفائدته ومنفعته الكبيرة في صناعة الأقواس التقليدية الطويلة.
وحول فوائد الخرمة الطبية، يقول الدكتور محمد الحوفي أستاذ علوم الأغذية في جامعة عين شمس المصرية، إن الخرمة أو الكاكا يمكن أن تقي من النوبات القلبية وتحمي من الأمراض بشكل عام لاحتوائها على «تركيزات عالية من الألياف الغذائية والمعادن ومركبات حيوية في مكافحة تصلب الشرايين» الذي يعتبر السبب الرئيسي لأمراض القلب والسكتة الدماغية.
ويبدو، حسب الحوفي، أن ألياف الخرمة أكثر من ألياف التفاح وهي «تساعد على تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم وتنظيم حركة الأمعاء» والحماية من الإصابة بالأورام السرطانية (حامض البيتولينيك)، وبالنهاية السيطرة على نسبة السكر في الدم. ويضيف الحوفي أن الفلافونايد وهو أحد المغذيات التي تحتوي عليها الخرمة تساعد على الحماية من الأكسدة وتكافح الأمراض والالتهابات والنزيف.
كما أن فيتامين (أ) من الفيتامينات التي تحمي من الأكسدة، وبيتا كاروتين والليكوبين من المواد التي تحمي من الشيخوخة وتؤخرها بكلام أدق. ولا ننسى بالطبع فيتامين سي الذي تحتوي عليه الخرمة الذي يحمي الجسم من السموم.
كما تفيد الخرمة في محاربة البكتيريا الضارة في المعدة والجهاز الهضمي، وفي علاج التهاب المثانة والغدة الدرقية وفقر الدم وضغط الدم.
ويقول البعض، إن أبناء الدول التي تحيط بالبحر الأسود تستخدم الخرمة كثيرا في الطب الشعبي. وفي الطب الصيني، ينصح بألا يتناول الكثير من الخرمة لأنها تؤدي إلى الإسهال، ويلجأون إلى طبخها لعلاج الإسهال والزنطاري، لكن ينصح باستخدامها جافة في علاج الإمساك والبواسير ووقف نزيف الدم.
بأي حال فإن الخرمة مفيدة على كل الأصعدة، على الصعيد الصحي، أي إنها مغذية، وطيبة المذاق وجميلة الشكل، وتملك أقوى خشب في العالم على الأرجح، وتستخدم لصناعة أجمل وأرقي حفريات الخشب اليابانية الملكية القديمة وأثاث الأميرات.